ما إن وضع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أوزاره حتى شرعت حكومة الاحتلال بتكثيف إجراءاتها وانتهاكاتها بحق مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، علها تحقق إنجازًا ولو معنويًا يُرضي جمهورها ويُعوضها عن فشلها في تحقيق أهدافها بغزة.
وتتركز تلك الإجراءات في منع النساء من دخول الأقصى، والاعتداء على المصلين، وزيادة عدد المستوطنين المقتحمين، ومحاولة فرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني بالمسجد، وكذلك إصدار ما تسمى بـ"منظمات الهيكل المزعوم" مذكرة يوميات سنوية بأوقات ومواعيد الاقتحامات.
ولا تقتصر الاعتداءات على الأقصى فقط، بل تطال المدينة، من خلال مصادقة بلدية الاحتلال بشكل نهائي على مشروع لبناء مدرسة دينية يهودية مكونة من تسعة طوابق في قلب حي الشيخ جراح، وتكثيف الاستيطان بالمدينة، ناهيك عن زيادة حملة الابعادات والاعتقالات بحق المقدسيين، واستهداف الاقتصاد والسياحة.
وبلغت ذروة هذه الانتهاكات باقتحام شرطة الاحتلال الإسرائيلي مكتب مؤسسة عمارة الأقصى والمقدسات في مدينة الناصرة، وتسليم الموظفين قرارًا إداريًا بإغلاقها، ووقف نشاطاتها، وقد كانت ترعى المشاريع الإحيائية بالأقصى، وخاصة مشروع مصاطب العلم.
حقد إسرائيلي
وانعكس انتصار غزة وبشكل واضح على الشعب الفلسطيني ومقدساته، وخاصة في القدس، حيث أصبح هناك حقدًا إسرائيليًا دفينًا بسبب هزيمتهم بغزة. وفق ما يرى رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث الشيخ ناجح بكيرات.
ويقول بكيرات لوكالة "صفا" إن الاحتلال يحاول تفريغ هذا الحقد عبر تنفيذ عدة إجراءات بالمدينة تتمثل في مصادرة الأراضي، والاعتداء على المقدسيين، واعتقالهم، وزيادة عدد المتطرفين المقتحمين للأقصى من أجل إرضاء الشارع الإسرائيلي.
ويؤكد أن هذه الانعكاسات ستستمر خلال الأيام القادمة، لأن هناك ظروفا تساعد الاحتلال على الاستفراد بالقدس والأقصى، خاصة في ظل الحديث عن عودة المفاوضات بين السلطة و"إسرائيل" مجددًا، وهذا الأمر سيعيد الهيبة للاحتلال، ولتلميع صورته الإجرامية، ولتخريب الانتصار بغزة.
ولكن رغم هذه الإجراءات، إلا أنها ستجد مقاومة واضحة من الشعب الفلسطيني، وستبقى المقاومة بالمرصاد في حال مس الاحتلال المسجد الأقصى بأي سوء، وما العدوان على غزة إلا للدفاع عن الأقصى، كما يتوقع بكيرات.
وحسب بكيرات "ما يساعد الاحتلال على الاستفراد بالمدينة الصمت العربي والإسلامي، ووجود تحالفات إقليمية جديدة ظهرت خلال العدوان على غزة، وهي خطيرة جدًا، إذ تستغلها "إسرائيل" لفرض أمر واقع جديد في القدس والأقصى".
ويبين أن ما يشجع الاحتلال أيضًا هو أن "الصهيونية العالمية تدعم الصهيونية الإسرائيلية"، نظرًا لأنها تؤمن بإقامة واقع جديد بالقدس، وبفكرة إقامة الهيكل المزعوم فوق أنقاض الأقصى، وبالتالي فهم يصمتون على جرائم الاحتلال سواء بغزة أو بحق الأقصى.
ويضيف "رغم المخططات الاحتلالية والظروف الإقليمية التي قد تغري الاحتلال لفعل شيء ما في الأقصى، إلا أننا علينا أن ندرك أن المقاومة قد غيرت هذا المنحنى، وأن هناك منحنيات تصاعدية قادمة ستفشل هذه المخططات، وخاصة الهادفة لتقسيم الأقصى زمانيًا ومكانيًا".
تعويض فشلها
وتسعى حكومة الاحتلال من خلال الانفراد بالأقصى والقدس إلى تحقيق انتصار ولو معنوي لإرضاء الجمهور الإسرائيلي واليمن المتطرف بعد فشلها بغزة، وفق ما يقول المختص في شؤون القدس جمال عمرو لوكالة "صفا"
ومن أخطر الإجراءات بحق الأقصى بعد انتهاء العدوان- حسب عمرو- قيام "منظمات الهيكل" بنشر مذكرة يومية بمواعيد الاقتحامات، وذلك لأول مرة، مما يؤسس لتحقيق ما يصبو إليه الاحتلال بتنفيذ مخطط التقسيم الزماني، وهذا بمنتهى الخطورة.
ويضيف "نحن اليوم أمام عملية إسرائيلية متدحرجة تزداد خطورتها يومًا بعد يوم، وأصبحنا أمام مشروع تهويدي شامل للمدينة"، مبينًا أن الأمور تسير باتجاه الأسوأ، لأن الأقصى والقدس بالنسبة للاحتلال هدف استراتيجي.
ويخشى من تصاعد وتيرة الاعتداءات بحق الأقصى والقدس بالأيام القادمة، متوقعًا أن يشن الاحتلال حربا شعواء على المدينة بهدف تعويض ميزانية الحرب على غزة، وتركيع المقدسيين.
ولا يمكن أن تكون هناك إجراءات إسرائيلية تخدم السكان المقدسيين، بل ستكون صارمة وقاسية من أجل تحقيق نصر أو إنجاز بعد فشله في القطاع. كما يوضح عمرو.
ولمواجهة هذه الإجراءات، "لابد من تحرك عربي إسلامي فلسطيني جاد للجم الاحتلال ووقف اعتداءاته بالمدينة، وعلى الشعوب أن تدرك أن الأقصى في مرمى النار، وأن يعلموا أنه لا كرامة للمسلمين إذا مُس بسوء".
المرحلة الأخطر
ويقول مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري لوكالة "صفا" إن "إسرائيل" تحاول استغلال انشغال الفلسطينيين بتداعيات العدوان على غزة من أجل الاستعجال في تنفيذ بعض المخططات سواء بالأقصى أو القدس.
ويوضح أن هناك اعتداءات غير مسبوقة بحق المصلين بالأقصى، والمقدسيين بشكل عام، لأن الإسرائيليين لديهم هدف واحد وهو إفراغ المدينة من سكانها واستبدالهم بالمستوطنين، لذا فهم يستغلون الظروف الحالية لتنفيذ هذا المخطط.
وبحسب الحموري، فإن الاحتلال يحاول الآن إنهاء عملية الاستيلاء على المدينة، وإلغاء الوجود الفلسطيني فيها، خاصة أن عملية التهويد قد تمت تقريبًا.
ويؤكد أن الاحتلال يعمل على قدم وساق لتحقيق مخطط إفراغ المدينة من 200 ألف فلسطيني، واستجلاب 300 ألف مستوطن، ومن هنا فإن هناك خشية على الوجود الفلسطيني، لذلك فإن المرحلة المقبلة ستكون الأصعب والأخطر على القدس، وستمس كل حياة المقدسيين.
0 comments: