يؤرق قانون الامتثال الضريبي الأميركي المعروف باسم "فاتكا" البنوك الفلسطينية كما يؤرق البنوك العربية، فهو ،بحسب الخبراء ،أداة جديدة للتدخل الأميركي السافر في حركة المصارف حول العالم، وسيفا مسلطا على سريتها المصرفية.
ويلزم القانون الأمريكي المقرر تطبيقه بداية العام 2014 العرب الحاملين للجنسية الامريكية، بسداد ضرائب للخزينة الأمريكية حتى وان كانوا غير مقيمين على الأراضي الامريكية.
كما يلزم البنوك العربية بتزويد الادارة الامريكية بحسابات الامريكان مزدوجي الجنسية المصرفية فى حال تهربهم من الضرائب.
ولم يتسن لمراسلة وكالة الأناضول الحصول على موقف رسمي من سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي الفلسطينى)، حيث رفض مسؤولوها الحديث.
كما أعتذر الكثير من مدراء البنوك العاملة داخل قطاع غزة كذلك عن التعليق على الموضوع.
وتشير مراسلة وكالة الأناضول للأنباء إلى أن المصارف الفلسطينية، تخشى الحديث للصحافة عموما، خوفا على مصالحها، نظرا لتعقيدات الحياة السياسية الفلسطينية، ولسهولة فرض الولايات المتحدة عقوبات عليها، بتهمة "تمويل الإرهاب"، حيت تعتبر واشنطن غالبية الفصائل الفلسطينية منظمات إرهابية.
لكن الخبير الاقتصادي الفلسطيني خالد البحيصي قال في حديث خاص لوكالة الأناضول للأنباء إن تطبيق قانون الفاتيكا الأميركي في الأراضي الفلسطينية هو "مسألة وقت".
وذكر أنه من الصعب على أية دولة في العالم تجاوز تطبيق هذا القانون، في ظل التهديد الأميركي بفرض العقوبات على الدول التي ترفض الانصياع له".
وأوضح بأن العقوبات الأمريكية حال عدم تطبيق القانون ستشمل خصم 30% من التحويلات الجارية من حسابات البنوك التي لن تلتزم بالإفصاح عن المعلومات وفق اللوائح الأميركية، خصوصا في ظل وجود سابقة أميركية في تطبيق العقوبات بلا هوادة، وذلك كما حدث لبنك الأقصى الاسلامي الفلسطيني، وشركات الوساطة والتحويلات المالية على خلفية مزاعم علاقاتها بحركة حماس .
ويجري اتحاد المصارف العربية منذ أشهر اجتماعات مكثفة لدراسة تأثيرات تطبيق قانون "فاتيكا" على القطاع المصرفى العربى.
كما أن هناك جهوداً عربية مشتركة واجتماعات وورش عمل شاركت فيها دول الخليج لدراسة آليات تطبيقه وتأثيراته على الاقتصاديات العربية.
وأضاف البحيصي بأن إدارة الايرادات العامة والضرائب الأميركية قامت بإصدار عدد من المذكرات التوضيحية لآليات تطبيق القانون، موضحاً بأنه سيتم التعامل المباشر بين الادارة العامة للضرائب داخل فلسطين والبنوك الخارجية ،وهذا يعني أن موافقة أية دولة على القانون يعطي الحق للإدارة العامة الاميركية بالتفتيش المفاجئ والرقابة على حسابات تلك المصارف.
وتطبيق هذا القانون سيكون مبدئياً على البنوك، وسينتقل بعدها ليشمل كافة المؤسسات المالية داخل الدولة، مثل شركات الوساطة والأسواق المالية بحسب الخبير الفلسطيني.
وذكر البحيصي أن قانون الفاتيكا هو أداة جديدة "للتدخل الأميركي السافر" في حركة المصارف حول العالم، وهو يعطي الادراة الأميركية العامة الحق بالتدخل والتفتيش على الحسابات البنكية، ما يشكل سيفاً مسلطاً على سريتها .
ويأتي تطبيق هذا القانون لمنع التهرب الضريبي للأميركيين، خصوصاً في ظل وجود رأس مال أميركي ضخم خارج حدود الولايات المتحدة، حيث تعاني من صعبات في جبايته.
ومن الجدير ذكره أن هذا القانون يأتي في ظل الصعوبات الكبيرة التي تواجهها إدارة أوباما في فرض ضرائب جديدة أو زيادة العبء الضريبي الحالي لتحصيل مزيد من الأموال للخزانة العامة لحل عجز الموازنة.
وعن أسباب تطبيق هذا القانون أوضح البحصي بأن الادارة الأميركية بقيادة أوباما تحاول نقل مشاكلها الى الخارج، وتريد من العالم أن يحل مشاكلها المتمثلة بالعجز الكبير في الموازنة .
ويواجه تطبيق القانون الأمريكي مشاكل متعددة، أبرزها تعارض هذا القانون مع القوانين المحلية التي تنص على حماية سرية حسابات العملاء.
وذكر خبير اقتصادي فلسطيني ،رفض الكشف عن اسمه، بأن هناك بعض الدول الأوروبية لا يجيز القانون فيها الافصاح عن سرية البيانات المصرفية الا بإذن خطي من العميل صاحب الحساب المصرفى.
كما تمنع دول أخرى اقتطاع الضريبة من مواطنيها أو المقيمين فيها لفائدة دولة أجنبية.
لكن كثير من الدول الأوروبية لا تجد مشكلة في تطبيق هذا القانون استناداً لـ"مبدأ المعاملة بالمثل"، وذلك لأن بعضاً من تلك الدول الأوروبية تواجه نفس مشكلة التهرب الضريبي مثل فرنسا، وبالتالي تفرض عليها مصالحها الاقتصادية تبادل سرية العملاء مع الولايات المتحدة، بحسب ما أوضحه البحيصي.
لكن ذلك لن يمنع استمرار مشكلة التهرب من وجهة نظر البحيصي ،لأن هناك طرق رمادية يمكن اللجوء اليها، ومن ضمنها أن يقوم الأميركيين بوضع أموالهم ضمن حسابات أقربائهم أو أصدقائهم من الجنسيات الأخرى.
ويتوقع خبراء أن يتم تأجيل تطبيق القانون في عدد من الدول الأوروبية لإشكالات تتعلق بآلية التطبيق، لاختلاف التعامل مع حسابات الأشخاص الفردية عن حسابات المصارف.
وعلى مستوى العملاء الخاضعين للقانون الأمريكي قال جو كاترون وهو متضامن أميركي يقيم في غزة منذ سنوات بأن هذا القانون يشكل اعتداء على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، لأنه يجبرهم على الادلاء بالحسابات السرية للعملاء، قائلاً:" هذا القانون يتعدى على حقوق الدول الأخرى في تنظيم نظمها الاقتصادية والمصرفية الخاصة".
ويقول بأنه شخصياً لا يجد مشكلة في الامتثال هذا القانون، قائلا:" قيام الحكومة بفرض ضرائب على مواطنيها الذين يعيشون في أماكن أخرى لا يزعجني.. نحن نعيش خارج الولايات المتحدة، لكننا لا زلنا نستفيد من الخدمات الحكومية الدبلوماسية والتعليمية والرعاية الصحية غيرها".
0 comments: