كتب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، انه تم خلال الحرب الأهلية في سوريا ترسيخ تعادل استراتيجي، بحيث لا يستطيع أي معسكر هزم منافسه في هذه المرحلة، وتتركز الحرب حاليا على معارك تستهدف السيطرة المحلية، والتي لا يمكنها حرف ميزان الكفة لصالح انتصار أي من الأطراف.
ويضيف: كما يبدو فان نظام الرئيس الأسد سيضطر الى الاكتفاء بالسيطرة على "سوريا الصغرى" – العاصمة دمشق والمضيق الذي يربطها بمدينة حلب والمنطقة العلوية في شمال غرب البلاد. ورغم ان النظام ليس معنيا بدخول مواجهة مباشرة مع إسرائيل، الا ان الخطر يتزايد، لأن هناك عناصر في المعسكرين المتصارعين – حزب الله في جانب النظام، وتنظيمات الجهاد في جانب المتمردين – ستحاول المبادرة الى عمليات في هضبة الجولان.
لقد قام حزب الله ببناء عدة قواعد ارهابية في هضبة الجولان، بمساعدة ايرانية وسورية. ويتولى تفعيل هذه الشبكات شخصين معروفين لإسرائيل: جهاد مغنية، نجل عماد مغنية الذي قتل في عملية اغتيال تم نسبها الى إسرائيل في عام 2008، وسمير قنطار، الدرزي اللبناني الذي اطلق سراحه من السجون الاسرائيلية في عام 2008، في اطار الصفقة التي شملت اعادة جثتي الجنديين اودي غولدفاسر والداد ريغف.
هذا هو باختصار تقييم الاستخبارات الاسرائيلية لما يحدث في سوريا، التي سيصادف في آذار المقبل، مرور اربع سنوات على حربها الأهلية التي تسببت بأكبر كارثة انسانية خلال العقود الأخيرة. وحسب معطيات غير رسمية فقد قتل حتى الآن حوالي 200 الف شخص غالبيتهم من المدنيين، واضطر حوالي ستة ملايين ونصف سوري الى ترك بيوتهم والهرب من الحرب الى اماكن اخرى داخل سوريا، بينما هرب الى الخارج حوالي ثلاثة ملايين ونصف.
لقد كانت السياسة الغربية ازاء الصراع السوري، احد الأسباب الرئيسية للتعادل في التوازن بين الاطراف. فقد تم الانتقال من التهديد الامريكي بمهاجمة النظام عقابا على استخدام السلاح الكيماوي في آب 2013، الى اعلان الهجوم الجوي على أكثر اعداء النظام خطورة، تنظيم داعش. وحتى اذا لم تعترف الولايات المتحدة بذلك، فان سياستها تؤدي حاليا الى تعزيز مكانة الأسد امام أعدائه.
في نظرة الى الوراء، نجد ان النقطة التي بدأ عندها وقف الانجراف ضد الأسد، تمثلت في عملية اغتيال رئيس المخابرات السورية عساف شوكت، نسيب الرئيس السوري، مع ثلاثة مسؤولين كبار في تموز 2012. ويطرح التحقيق الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية، هذا الاسبوع، تكهنات تقول ان اغتيال هؤلاء لم يتم من قبل المعارضة، وانما تم جراء مؤامرة داخلية للنظام، كي يتخلص من شوكت الذي حاول دفع حل سلمي للمواجهة الداخلية.
وتعتمد الصحيفة في هذا التكهن على لقاءات اجرتها مع شخصيات نشطت في المعسكرين في تلك الفترة. لكن شعبة الاستخبارات الاسرائيلية لا تؤكد ذلك حتى الآن. مع ذلك فان عملية الاغتيال ذاتها تعتبر نقطة هامة لأنها ساهمت في تعزيز دعم ايران وحزب الله للنظام السوري. فقد ارسلت ايران خبراء الاستخبارات والعصابات، وارسل حزب الله قواته، وقامت روسيا بتسريع ارسال شحنات الاسلحة الى الأسد، وذلك على خلفية التكهن بأن المتمردين السنة يقفون على عتبة السيطرة على سوريا اذا لم يحصل النظام على المساعدة.
وخلال سنة 2013، حقق النظام انتصارات تدريجية وتكتيكية ضد المتمردين ومنع تقدمهم، ثم بدأ تركيز الدفاع عن "سوريا الصغرى". وحتى اذا كان الاسد يسيطر اليوم على ربع او ثلث الاراضي السورية فان هذا يكفيه للبقاء. لقد واجه النظام خطرا حقيقيا في صيف 2013، بعد ذبح المدنيين بالسلاح الكيماوي، والذي اثار غضب الولايات المتحدة. لكن روسيا تدخلت لإنقاذه، حيث تم الاتفاق بين روسيا وامريكا على تفكيك مستودعات الاسلحة الكيماوية السورية.
وساهم ظهور تنظيم الدولة الإسلامية خلال السنة الأخيرة في خدمة نظام الأسد. فقد تخلى الغرب عن مساعيه لاسقاط النظام السوري وركز على مهاجمة داعش. ويتواصل تغلغل تأثير المواجهات السورية، في البلدان المجاورة، خاصة لبنان والعراق. وقد اضطر حزب الله الى نشر قواته في مواقع عسكرية اقامها على الحدود اللبنانية السورية، والتي ارسل اليها حوالي الف محارب من التنظيم بهدف منع تنظيمات الجهاد الناشطة في سوريا من ارسال قوات الى الأرضي اللبنانية. وجاءت هذه الخطوة ردا على العمليات التي تم تنفيذها في لبنان، والتي استهدف بعضها معاقل حزب الله في حي الضاحية في بيروت، قبل اكثر من سنة.
وتصل خسائر حزب الله في سوريا الى حوالي 550 قتيلا ومئات الجرحى. ويقوم التنظيم بتفعيل 5000 محارب في سوريا، يدافعون بشكل أساسي عن الموارد الحيوية للنظام السوري. وتم ارسال قوة صغيرة الى العراق للمساعدة في الدفاع عن الشيعة في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية. ويلاحظ الجيش الاسرائيلي حدوث تحسن عسكري في اداء حزب الله، نتيجة التجربة العسكرية التي اكتسبها رجالاته في سوريا. وفي المقابل انخفض مستوى التهديد العسكري السوري لإسرائيل. فقد تم استخدام اكثر من 80% من الصواريخ والقذائف السورية في الحرب الاهلية. وفي الجولان لم تبق تقريبا أي منظومات صاروخية موجهة الى إسرائيل. وزالت عن الجدول أي امكانية لحدوث مناورة سورية في الأراضي الاسرائيلية، وتم ازالة غالبية التهديد الكيماوي بعد تفكيك المستودعات. وهكذا تولد التغيير الاساسي في التوازن العسكري بين إسرائيل ومن اعتبرت طوال اربعة عقود اشد الاعداء مراسا.
لكنه في بند المخاطر، يتسع خطر تنفيذ عمليات طموحة في هضبة الجولان، من قبل المعسكرين المتصارعين. فالتنظيمات السنية المتطرفة المتماهية مع القاعدة، تتواجد على مقربة من الحدود، ويمكنها ان تنفذ عمليات كتلك التي نفذتها في مناطق اخرى. كما ان حزب الله يبني قواعد ارهابية في هذا القطاع. وقد سبق قيام قواعد مرتبطة بالتنظيم بإطلاق صواريخ كاتيوشا قطرها 107 ملم الى الجولان، خلال الحرب في غزة. وتتكهن اسرائيل بأن حزب الله، وبموافقة الأسد، سيستغل المنطقة الصغيرة التي يسيطر عليها النظام في شمال الهضبة، للمبادرة الى تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، انتقاما للهجمات الجوية التي نسبت الي إسرائيل في لبنان وسوريا.
قبل عقدين ساد القلق لدى قادة لواء الشمال، كعميرام ليفين وغابي اشكنازي، من احتمال قيام حزب الله بتنفيذ عمليات من لبنان، لكن قلقهم الاكبر كان ازاء احتمال اندلاع حرب مع سوريا. اما اليوم فقد انقلبت الآية. اذ ان ما يقلق قائد المنطقة الشمالية، افيف كوخابي، الآن، هو وقوع عمليات في الجولان، لكنه يستعد، ايضاً، لاحتمال وقوع مواجهة مستقبلية مع العدو الاكثر اشكالية، حزب الله اللبناني.
(المصدر: وزراة الإعلام - رام الله)
0 comments: