عميرة هس صحفية في "هآرتس": ابو مازن يتصرف كديكتاتور

تناقش عميرة هس في "هآرتس" الخط السياسي الذي يتبعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقابل خط الجهات التي تدعو الى الكفاح المسلح، لكنها في الوقت ذاته تعتبر ابو مازن يتصرف كديكتاتور، وتكتب "ان القيادة الفلسطينية في رام الله، كسبت باستقامة، عدم ثقة غالبية الفلسطينيين بها. ذلك ان دوافع الشك بدوافعها عميقة، الى حد يغيب فيه عن الأعين المنطق طويل الأجل للتكتيك الذي يمليه محمود عباس.

فالرئيس الفلسطيني يريد منع اندلاع مواجهة مسلحة غير متناظرة مع اكبر جيش في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تنزف فيه سوريا والعراق المتداعيتان في الشرق، يصبح الحنين الى حرب ضخمة اخرى، كمخرج من الظلم الإمبريالي بمثابة كارثة. وهذا الفهم هو أساس الدبلوماسية التدريجية والبطيئة جدا التي يديرها عباس.

لكن المشكلة هي، أن الدبلوماسية في الأمم المتحدة (وقبل ذلك المفاوضات التي لم تحقق أي شيء) تسمح بالوضع الراهن الذي تستغله إسرائيل لترسيخ واقع البانتوستانات الفلسطينية، والذي تستفيد منه، ايضاً، التسميات في السلطة الفلسطينية. والمشكلة هي أن عباس يقود ما ليس دولة، وكذلك حركته، كحاكم وحيد. والمشكلة هي، ان حركة فتح لم تتعلم من الأخطاء التي أدت إلى سقوطها في انتخابات عام 2006، ويتم تشخيص قيادتها كمتماهية مع الآليات التي تتعاون مع الجيش الإسرائيلي، والشاباك والإدارة المدنية. وهكذا يتم فقدان الرسالة الانسانية المستترة وراء خطوات عباس: حروب تولد الدمار، بؤس ووحشية لا عودة منها. ان الأسلحة والحرب هي الملعب الطبيعي لإسرائيل، واختصاصها. فدعونا نواصل البحث عن طريق آخر.

ان تحفظ عباس من استخدام الأسلحة كخيار، يعتبر لدى الكثير من الفلسطينيين خيارا غير وطني، يلامس الخيانة. فلقد بقي الحق في الكفاح المسلح في نظر معظم الفلسطينيين، احد قدسياتهم التاريخية (بغض النظر عن نتائجه). والى جانب ذلك، فانه حتى من دون الكفاح المسلح، يقوم الجيش الإسرائيلي بقتل وجرح المدنيين الفلسطينيين يوميا، وتسرق إسرائيل الأرض وتفكك نسيج حياة عمره مئات السنين، وغير ذلك.

لقد عايش معظم الفلسطينيين في البلاد (على جانبي الخط الأخضر) منذ ولادتهم، تجربة الغدر الاسرائيلية المتغطرسة والمتظاهرة بالبراءة والمدمرة. ويمكن حقا الانفجار جراء هذا الغدر. ولذلك فان الرغبة في الانتقام تعتبر مفهومة بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك، فإن عدد الذين يحاولون الانتقام يشكل قطرة في محيط المصابين. وبعبارة أخرى، فإن الغالبية العظمى تفهم أن الرغبة في الانتقام ليست استشارة استراتيجية حكيمة. ولكن الغالبية العظمى، ايضا، لا تنضم الى مبادرات الكفاح الشعبي غير المسلح. هذه الغالبية هي التي ستواجه بشجاعة القمع العسكري الإسرائيلي العنيف، إذا قررت المنظمات المدمنة على الكفاح المسلح بأن الدم والأسلحة هي الوسيلة الوحيدة.

ان الشك تجاه النضال الشعبي وفرصه، يبث الرياح في أشرعة من يقدسون الكفاح المسلح. خلال الحرب الأخيرة على غزة، عندما شكل 1.8 مليون فلسطيني اهدافا متحركة للقصف الاسرائيلي، لم يطلق حزب الله ولو صاروخا واحدا على إسرائيل، ولم تقم قطر بتفكيك القاعدة العسكرية الأمريكية القائمة على أراضيها. ومع ذلك، فإن الراديكاليين- على شبكة الإنترنت، الذين يهاجمون عباس، لا يسخرون من ثرثرة حماس الأخيرة والتي قال فيها انه سيحرر القدس كما "حرر" قطاع غزة. لقد أحرجت قوات حماس الجيش الاسرائيلي في جولة الحرب الأخيرة، ولذلك اكتسبت التبجيل على صفحات الفيسبوك. ولكن سكان غزة لم يتوقفوا عن كونهم أسرى مؤبدين في أيدي إسرائيل. وهذا الأمر ينسونه.

صحيح ان استمرار المفاوضات الفاشلة مع إسرائيل أدى إلى نمو الأغنياء الجدد والمتعاونين في صفوف الفلسطينيين، ولكن الحروب والجماعات المسلحة تثري، ايضا، تجار الأسلحة المجهولين، وتخدم المصالح الأجنبية. وهذا ينسونه، ايضا.

وهناك مأساة أخرى: التحذير المتعقل لعباس من الوقوع في فخ الحرب يخفق بسبب سلوكه كديكتاتور وسلوك السلطة الفلسطينية كمقاول للاحتلال.

0 comments: