يمكن إستذكار كل أدبيات المقاومة الفلسطينية عند الإستماع لرئيس الوزراء الأردني عبدلله النسور وهو يستخدم عبارة (كامل التراب الفلسطيني) وهو يتحدث في البيان الوزاري الذي قدمه للبرلمان الأحد عن بلاده والقضية الفلسطينية.
النسور فاجأ الخبراء فقط وهو يتحدث عن دولة فلسطنية متصلة جغرافيا وكاملة السيادة وقابلة للحياة وعلى كامل التراب الوطني وعاصمتها القدس الشرقية وليس (كل القدس). لا يتعلق الأمر بالضرورة بخطأ مطبعي ورد في كتاب البيان الوزاري الموزع على أعضاء البرلمان ولا بتعثر لفظي أو هفوة خطابية فالنسور أحد أكثر الشخصيات دقة في النخبة السياسية والمحلية وعلى الأرجح ثمة سبب يقف خلف إستعماله لعبارة من هذا النوع كما يقدر سياسيون خبراء.
عمليا لم يستخدم المسئولون الأردنيون منذ عام 1994 صيغة كامل التراب الوطني الفلسطيني لإنها بالمعنى اللغوي المباشر تعني عدم الإعتراف بإسرائيل التي وقع معها الأردن إتفاقية وادي عربة. حتى رئيس دولة فلسطين محمود عباس لا يستخدم هذه الصيغة, الأمر الذي يؤشر على خلفية سياسية وإعلامية تحتاط لأي مزاودة محتملة على الأردن في المرحلة المقبلة.
وهي حصريا مرحليا إعادة إنعاش المفاوضات والعودة لطاولتها كما هي مرحلة إعادة التموضع على صعيد الملف الأكثر حساسية المتمثل بمستقبل العلاقات الأردنية – الفلسطينية. يلاحظ عضو البرلمان محمد حجوج بأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري زار المنطقة عدة مرات في أسابيع قليلة ويرى نائب رئيس المجلس النيابي الأردني خليل عطية بأن طبخة سياسية تجري في المنطقة على صعيد ملف الصراع فيما تطالب السلطات من وراء ستار جميع المعنيين بالماكينة الرسمية بتجنب التحدث عن مسألة الكونفدرالية.
في الوقت نفسه أكثر كيري من إتصالاته بوزير الخارجية الأردني ناصر جوده فيما يبدو أن إتفاقية القدس التي وقعها الرئيس عباس مع الملك عبدلله الثاني توفر أساسا لإطلاق أجواء جديدة في العلاقات بين الجانبين بعد سلسلة تعاونات وتفاهمات باطنية بدأت مع دعم حركة فتح للإنتخابات الأخيرة في الأردن التي قاطعها الأخوان المسلمون.
اللافت أكثر على صعيد ما يجري في مسألة المفاوضات هو الإشارة التي أطلقها الرئيس النسور على هامش مأدبة عشاء أقامها له عضو البرلمان والوزير الأسبق الدكتور حازم قشوع حول ضرورة عزل سياق المفاوضات هذه المرة عن أعين الإعلام.
خلال العشاء المشار إليه لفت النسور نظر الموجودين إلى وجهة نظر رددها فيما يبدو الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما زار عمان مؤخرا وركز عليها أيضا وزير خارجيته كيري وتتمثل في أن إطلاق عملية المفاوضات بين إسرائيل والفلسطنيين هذه المرة ينبغي أن يتم بمنأى عن وسائل الإعلام.
يعني ذلك أن التفاهمات ستكون على الأقل حتى إنضاجها مكتومة أو سرية.
للحكومة الأردنية في الواقع مصلحة في ذلك بسبب حساسية النقاشات المحلية التي تثيرها مسألة من وزن تفعيل وتنشيط الدور الأردني في المفاوضات النهائية وهي مسألة تطرق لها الأخوان المسلمون عندما إعترض حزبهم علنا على أي دور أردني غامض أو غير واضح في ملف المفاوضات.
الكتمان الذي تبناه النسور ومن المرجح أن إدارة أوباما طالبت به كل الأطراف يمكن تلمسه كإستراتيجية إعلامية للجانب الأردني على الأقل فقد طولب الكتاب الأساسيين الذين تستعين بهم السلطات بعدم التطرق لمسألة المفاوضات والتفاهمات مع عباس قبل نضوجها.
في الوقت نفسه برزت مؤشرات تقول فيها السلطات ضمنيا بأنها لا تفضل أي نقاش قبل الأوان كما تم إخفاء الإتصالات الحيوية والمفصلة وراء الكواليس مؤقتا عشية زيارة هامة يقال أن العاهل الأردني سيقوم بها لواشنطن في السادس والعشرين من الشهر الجاري.
بعض أوساط القرار قالت بوضوح وبخشونة أنها لا تحتمل الإعتراض على الكونفدرالية والتطرق لها الأن.
وبين الحين والأخر تبرز مؤشرات على مقاومة عكسية داخل مؤسسات النظام لخطط ومشاريع القصر الملكي في السياق الفلسطيني مما يفسر التناقضات التي تظهر أحيانا في لغة وتصرف نخبة من المسئولين.
النسور يلتقط الرسائل بإنتاجية فعالة أكثر من غيره فيما يبدو، لكن المؤسسة الأردنية لا تبدو (موحدة) في التعاطي مع أي إستحقاق متسارع لإنتاج تفاهمات على الأرض تستبق ما يقول المحلل السياسي عامر سبايله أنه إستراتيجية قطرية لصياغة مبادرة جديدة لعملية السلام بدلا من المبادرة العربية الشهيرة.
وسط هذه الضبابية في المشهد تبرز غمزة النسور السياسية وهو يتحدث عن تأييد بلاده لدولة فلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني في جملة تكتيكية على الأرجح تمنع المزاودة على الأردن قبل الدخول في تفاصيل المرحلة المقبلة أو تهيء لعمان مقعدا مناسبا على طاولة المفاوضات والتسوية حتى ولو من باب مخاطبة إعلامية سياسية هادفة تلمس وجدان جميع المتحدثين عن فلسطين التاريخية.
الأجواء عموما لا زالت توحي بأن ملف تفاهمات وتصورات الكونفدرالية يتسارع.
وتوحي بأن الأردن يتهيأ لمرحلة ما على الصعيد الفلسطيني…هذا حصريا ما تقوله جملة النسور التكتيكية وما تلمح له ضمنيا قصة المفاوضات بمنأى عن الإعلام والأهم ما تصادق عليه حزمة الـ(فيتو) المفروضة بعدة لغات في عمان على كل من يعترض مسبقا على التسارع المريب في المشهد.
بسام البدارين - القدس العربي
0 comments: