كتبت صحيفة النهار اللبنانية؛ يصعب أن نصدّق أن التوقيت كان مجرد صدفة.
من قام بتسريب التفاصيل عن العملية المشتركة بين الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) التي أدّت إلى اغتيال قائد العمليات في "حزب الله"، عماد مغنية، عام 2008، إلى مطبوعتين أميركيتين، وتحديداً إلى صحيفة مثل "الواشنطن بوست" (الثانية هي "نيوزويك")، لم يفعل ذلك لمجرد نزوةٍ راودته.
غالب الظن أن أحدهم أراد أن يوجّه الرسالة الآتية إلى شعب إسرائيل، وأيضاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: أنتم تحتاجون إلينا. انظروا إلى حجم التعاون بين استخباراتنا، والذي يمكن أن يتضرّر جراء السياسات المتنافرة لرئيس وزرائكم. هذه كانت طبيعة الرسالة المخفية خلف المعلومات المسرّبة عن عملية الاغتيال.
التسريب مفاجئ لأن الولايات المتحدة لا تؤكّد عادةً عملياتها السرية إلا إذا تبنّت مسؤوليتها. وفي حالة مغنية، لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل تبنّت العملية. ولا يزال هناك مجال للإنكار لأن مصدر المعلومات المسرَّبة هو مسؤول أميركي مجهول الهوية، وليس بياناً رسمياً صادراً عن الحكومة. التفاصيل الفعلية للمعلومات المسرَّبة أقل أهمية، ويُلاحَظ أن بعضها يفتقر إلى الدقّة.
الفضل الأكبر
الانطباع الذي تولّده التسريبات أن أحدهم أراد أن يُنسَب إلى الولايات المتحدة الفضل الأكبر في اغتيال مغنية. بحسب التقارير الإعلامية، أدّى جهاز الموساد دوراً مسانداً لوكالة الـ"سي آي أيه" التي كانت الشريك الأكثر محورية في العملية المشتركة التي أسفرت عن مقتل مغنية الذي يُعتبَر بمثابة "وزير الدفاع" لدى "حزب الله". من الممكن أن هذه التقارير تنطوي على مبالغة كبيرة، وأن الحقيقة مختلفة تماماً، أي إن الموساد كان في الواقع الفريق المسيطِر في العملية.
التسريبات نفسها تعطي انطباعاً بأن الموساد أدّى دوراً أساسياً في العملية. فقد ورد أن الموساد هو الذي جمع المعلومات الاستخبارية عن تحرّكات مغنية في دمشق حيث كان يقيم في مكان سرّي. وبحسب التقارير أيضاً، رئيس الموساد آنذاك، مير داغان، هو الذي كان وراء فكرة اغتيال مغنية. وقد ذُكِر أن المسؤولين العسكريين والاستخباريين الأميركيين طرحوا أيضاً إمكانية اغتيال القيادي في "حزب الله" الذي كانت يداه ملطّخة بدماء مئات الأميركيين.
لكن بالمقارنة مع الولايات المتحدة، كان مغنية هدفاً أهم بكثير بالنسبة إلى إسرائيل التي رصدت تحركاته على امتداد سنوات طويلة. وفقاً للتقرير، على الرغم من أن العبوة التي استُخدِمت في التفجير تم اختبارها وصنعها في الولايات المتحدة، كان جهاز التفجير في أيدي الإسرائيليين في تل أبيب.
نستشف من التقرير نبرة اعتزاز أميركية من خلال الحديث عن أن عملاء الـ"سي آي أيه" كانوا موجودين في دمشق خلال المهمة. إذا كان الموساد شريكاً في العملية، يمكن الافتراض بأنه كان لأعضاء من وحدته المتخصصة بالاغتيالات المعروفة بـ"كيدون"، وجود مهم في المكان، كما ورد في مطبوعات أجنبية، منها كتابي الذي وضعته مع الصحافي الأميركي دان رافيف، "جواسيس في مواجهة أرماغيدون: داخل الحروب السرية الإسرائيلية" (Spies Against Armageddon: Inside Israel's Secret Wars).
الانفراد
عادةً، يفضّل الموساد أن ينفّذ بمفرده عمليات الاغتيال الشديدة الحساسية، من دون الاستعانة بشركاء. في حالات نادرة فقط، عندما تكون للبلدَين مصالح متبادلة في القضاء على الهدف ويمكنهما الحفاظ على سرية العملية من دون أي مضاعفات قانونية أو دولية، أو عندما تفشل الاستخبارات الإسرائيلية في الوصول إلى الهدف، يستعين الموساد بشريك خارجي. لكن حتى لو لم يكن هناك تعاون على مستوى تنفيذ عملية الاغتيال، هذا لا يلغي إمكانية أن يقوم الموساد بتبادل المعلومات والاستخبارات مع أطراف أخرى حول الأشخاص المستهدفين.
غالب الظن أن الدور الإسرائيلي في المهمة كان أكبر من الدور الأميركي، لكن ليس هناك خلاف حول الجهة التي يعود إليها الفضل في هذه العملية المشتركة. على الرغم من الرسالة الخفية الموجّهة إلى إسرائيل ونتنياهو عبر تسريب تفاصيل العملية في هذا التوقيت بالذات، يمكن أن يخدم التقرير أيضاً المصالح الأمنية الإسرائيلية. يطرح التقرير تحدياً على "حزب الله"، ويوجّه إليه وإلى إيران رسالة قاسية: معركتكم ليست فقط مع إسرائيل إنما أيضاً مع الولايات المتحدة.
0 comments: