كرست الصحف الاسرائيلية ومواقع الانترنت عناوينها الرئيسية اليوم الأحد، للعقوبات التي قررت اسرائيل فرضها على السلطة الفلسطينية، بسبب انضمامها الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، والاعداد لتقديم دعاوى ضد إسرائيل. وتناولت الصحف تعقيبات عدد من المصادر الفلسطينية، كان ابرزها اعتبار الخطوة الاسرائيلية بمثابة سرقة في وضح النهار.
ونقلت صحيفة "هآرتس" نقلا عن مسؤولون كبار في القدس ان اسرائيل قررت في أعقاب التوجه الفلسطيني الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، تجميد تحويل 500 مليون شيكل (صحف اخرى تتحدث عن 400 مليون) من مستحقات الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية. وتم اتخاذ هذا القرار خلال المشاورات التي عقدها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يوم الخميس الماضي، لمناقشة الرد الاسرائيلي على الخطوة الفلسطينية.
وكان من المقرر تحويل هذه الأموال يوم الجمعة، كجزء من التحويل المالي الدائم المستحق للسلطة الفلسطينية شهريا، الا انه تقرر وقف التحويل. وقال مسؤول اسرائيلي ان وقف تحويل اموال الضرائب يشكل الخطوة الأولى فقط ردا على الخطوة الفلسطينية، وحسب قوله فان "الخطوة الملموسة والواسعة ستأتي لاحقا". وستجري طواقم العمل في المكاتب الحكومية المختلفة، اجتماعات خلال الأسبوع الجاري، يليها انعقاد جلسة للمجلس الوزاري السياسي – الأمني، لاتخاذ قرار بشأن الرد الأوسع على الخطوة الفلسطينية.
وحسب مسؤول رفيع، على اطلاع بتفاصيل المشاورات التي اجراها نتنياهو، فان إسرائيل "لن تتجاوز السلوك الفلسطيني في مسألة المحكمة الدولية في لاهاي". وقال: نحن دولة قانون تحقق مع نفسها ونحن نعرف كيف نثبت ذلك بسهولة".
ونوقشت خلال الجلسة التي عقدها نتنياهو، اقتراحات اولية بشأن الرد على الخطوة الفلسطينية كتقديم دعاوى مضادة ضد السلطة الفلسطينية في المحاكم الدولية، سواء بشكل رسمي من قبل دولة إسرائيل او تنظيمات مؤيدة لها. كما تقرر مطالبة الولايات المتحدة بتهديد السلطة الفلسطينية بوقف المساعدات الأمريكية اذا واصلت اجراءاتها ضد اسرائيل في المحكمة الدولية.
وحسب المسؤول الاسرائيلي فان اسرائيل "لا تنوي الدفاع عن نفسها على الحلبة الدولية فقط وانما ستهاجم ولديها ما يكفي من الذخيرة". وأضاف: "في كل ما يتعلق بجرائم الحرب، فان الزبدة مدهونة على رأس ابو مازن ورفاقه، وهم من قرر الخروج الى الشمس".
وكتبت "يديعوت احرونوت" ان اسرائيل لن تكتفي بتفعيل الضغط الاقتصادي على الفلسطينيين، عقابا لهم. وبعد قرار تجميد حوالي نصف مليون شيكل من المستحقات المالية للسلطة، تنوي اسرائيل الرد على كل خطوة فلسطينية عدائية بشكل ملائم. وحسب مصدر اسرائيلي رفيع فان "اسرائيل تفحص الطرق لتقديم شخصيات فلسطينية الى القضاء في الولايات المتحدة وغيرها، بتهم ارتكاب جرائم حرب". وقال "ان ابو مازن على مرمى الهدف، ولكن ليس هو فقط".
وفي وثيقة داخلية اعدها مكتب رئيس الحكومة بعد جلسة المشاورات التي عقدها نتنياهو للرد على توجه الفلسطينيين الى لاهاي، جاء ان "توجه السلطة الفلسطينية الى محكمة الجنايات الدولية يعتبر خرقا فظا للاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة بدعم من المجتمع الدولي، واسرائيل تتوقع من المحكمة رفض التوجه المنافق نهائيا، ايضا لأن السلطة ليست دولة، ولأن السلطة متحالفة مع حماس، التنظيم الارهابي الذي يرتكب جرائم حرب".
والى جانب الرد الشديد والتهديد، يعتقد الجهاز القضائي ان انضمام الفلسطينيين الى المحكمة في لاهاي سيشكل مصدر ازعاج لإسرائيل، ولكنه لن يحقق فوائد قانونية عملية. ورغم ذلك فان وزارة القضاء والنيابة العسكرية على جاهزية تامة في كل وقت لتقديم دعاوى قضائية مضادة ضد رجال السلطة وحماس على خلفية العمليات وقتل اسرائيليين، وذلك في اعقاب توجيه من قبل وزيرة القضاء السابقة تسيبي ليفني بعد عملية "الجرف الصامد". وقال مصدر قانوني اسرائيلي انه "يمكن تقديم هذه الدعاوي مدعمة بأدلة، وبوثائق وافادات منذ صباح الغد".
وقالت "هآرتس" ان اسرائيل أجرت خلال الأيام الاخيرة محادثات مع مسؤولين كبار في الادارة الامريكية لتنسيق الرد على الخطوة الفلسطينية في المحكمة الدولية في لاهاي. وتنظر الادارة الامريكية بعين الخطورة الى طلب الفلسطينيين الانضمام الى المحكمة الدولية في لاهاي. وقال مسؤول امريكي يوم الجمعة، انه ستكون للخطوة الفلسطينية ابعاد من جهة الولايات المتحدة. مع ذلك فان المسؤول لم يهدد بوقف المساعدات الامريكية واكد ان الاموال التي تحولها الولايات المتحدة الى السلطة لا تخدم الفلسطينيين فقط وانما تساعد في الحفاظ على الاستقرار ولذلك فإنها تساعد اسرائيل ايضا.
وكتبت "يسرائيل هيوم" ان المعارضة انتقدت قرار الحكومة المتعلق بتجميد مبلغ 400 مليون شيكل من اموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، عقابا لها على توجهها الى المحكمة الدولية ضد اسرائيل. وقال رئيس حزب العمل، يتسحاق هرتسوغ ان "الضعيف امام ابو مازن على الحلبة الدولية، يتخذ اجراءات لا تساعد لوحدها حقا، جنود الجيش في لاهاي، ولن توقف تحرك الفلسطينيين في العالم".
وردا على ذلك جاء من مقر الليكود الاعلامي انه "بدلا من العمل بمسؤولية قومية والوقوف الى جانب جنود الجيش امام محاولة الفلسطينيين محاكمتهم في لاهاي، تختار ليفني وهرتسوغ، مرة اخرى، الوقوف الى جانب ابو مازن والسلطة الفلسطينية".
وقال رئيس الدولة السابق، شمعون بيرس، خلال مشاركته في "سبت الثقافة" في تل ابيب "ان لدى ابو مازن مشاكله الخاصة، لديه ملايين اللاجئين وحماس وهجمات من كل جانب، ولكنه يصمد امام ذلك وانا اقدره".
"سرقة في وضح النهار"
ونقلت "هآرتس" تعقيب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، القرار الاسرائيلي، حيث قال في حديث للصحيفة ان "هذه سرقة في وضح النهار، وعمل يلائم القراصنة وليس الحكومات". وقال عريقات "ان هذه الأموال فلسطينية وتجميد تحويلها يتعارض مع القانون الدولي ويبرر توجهنا الى المحكمة الدولية في لاهاي".
وحذر عريقات من ان الخطوة الاسرائيلية قد تمنع دفع الرواتب للمعلمين والاطباء وتزويد الخدمات للفلسطينيين، بما في ذلك النساء والاطفال. وحسب اقواله فان القيادة الفلسطينية ستجتمع خلال الأيام القريبة لمناقشة ابعاد القرار الاسرائيلي، وستطالب إسرائيل بتحمل المسؤولية عن الاحتلال وكل ما يعنيه. وقال: "سيكون على اسرائيل الاهتمام بدفع الرواتب وتوفير الاحتياجات اليومية للفلسطينيين بدل السلطة".
واشار عريقات الى ان السلطة تنوي التوجه الى الدول العربية والى امين الجامعة العربية كي تقدم دعما اقتصاديا للسلطة طالما تواصل قرار التجميد الاسرائيلي. وسيطالب الفلسطينيون بتطبيق فوري لقرار القمة العربية الاخير في الدوحة، بشأن منح شبكة امان اقتصادي للسلطة بقيمة 100 مليون دولار شهريا، في حال فرض عقوبات عليها من جانب اسرائيل والولايات المتحدة.
ونقل موقع "واللا" عن مصدر فلسطيني رفيع قوله ان "تجميد الاموال الفلسطينية سيكون اول جريمة حرب اسرائيلية سيعرضها الفلسطينيون امام محكمة الجنايات الدولية". وأضاف: "هذه الأموال تعود للسلطة الفلسطينية وما فعلته اسرائيل يتعارض مع القانون الدولي".
وحسب الموقع فان رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله كان قد اعلن، امس الأول، وقبل الكشف عن قرار اسرائيل تجميد تحويل الأموال، ان هناك تأخيرا في تحويل اموال الضرائب. وقال: "لم يعلمونا حتى الآن عن تأخير تحويل الأموال. هذه اموال تعود للشعب الفلسطيني".
وردا على الخطوة الاسرائيلية قال نمر حماد، المستشار السياسي للرئيس محمود عباس، انه "على الرغم من الخطوة الاسرائيلية، فان السلطة لا تنوي التراجع عن الانضمام الى المحكمة الدولية في لاهاي".
0 comments: